فهكذا الروح عندما أشرقت على
جسد الإنسان زينته ولم تزاحمه.. فلذلك أولى القرآن الكريم للجسد قيمة لا تقل عن
قيمة الروح.. فهو يعتبره من نعم الله على عباده.. قال تعالى:﴿ قالَ
لَهُ صاحِبهُ وَهوَ يُحاورهُ أكفرتَ بالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب ثُمَّ مِنْ
نُطفَة ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً ﴾ (الكهف: 37)،
وقال:﴿ هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذلولاً فامشُوا
فِي مناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيهِ النُّشُورُ ﴾ (الملك:
15)، وقال:﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقناكُمْ وَلا
تَطْغَوا فِيهِ فَيُحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ (طه:81
)
فهذه الآيات القرآنية تحمل بين
طيّاتها معاني تشريعية كثيرة تبين قيمة الجسد وأهمية المحافظة عليه[1].. فهي تبين
أن الإنسان بتكوينه الجسماني، وبطبيعته البدنية، جزء من عالم الطبيعة، وأنّ الأرض
هي مصدر نشوئه وتكوينه.. فهو ابن الأرض، ونتاجها الحي المترقي في تكوينه وأجهزته
الجسمية المختلفة:﴿ أكفرتَ بالَّذي خلقكَ مِن تُراب ﴾
وهي تبين أن هذا الجسد الذي نشأ
من الأرض لا يستغني بطبيعته عن إمداد الأرض لوجوده، من الطعام والشراب واللباس
والسكن.. ﴿ وَما جَعَلناهُمْ جَسداً لا يأكُلون الطَّعامَ ﴾
(الأنبياء: 8).
وهي تبين أن التوافق في التكوين
الطبيعي بين الإنسان والطبيعة تام ومتناسق، فكلّ ما يحتاجه الإنسان لاستمرار
الحياة متوفر في عالم الطبيعة ومتنام فيها.. ﴿
وَباركَ فيها وقدّرَ فيها أقواتَها في أربعةِ أيّام سواءً للسّائلينَ ﴾
(فصّلت: 10).. ﴿ جَعَلَ
لَكُمُ الأَرضَ ذَلولاً ﴾ (الملك: 15)
وهي تبين أن كلّ ما في الأرض،
من خيرات وطيّبات، حلال طيّب ومباح لكافة بني الإنسان، دون تفريق أو تمييز، فحكمة
الله، وعدله تقضيان بأن تتوفر لكلّ إنسان حاجته وحقّه
[1]
انظر مقالا بعنوان: كيف تعامل الإسلام مع الجسد؟ من موقع (البلاغ) الموسوعة
الإسلامية.