يتنافى مع الرحمة
الإلهية، كما لا يتنافى الكي أو الحقنة أو الدواء المر إذا وضعت في مواضعها التي
تقتضيها حكمة الجسم مع رحمة الطبيب.
ولذلك قال تعالى: ﴿ أَأَتَّخِذُ
مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي
شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ﴾ (يّـس:23)، فقد نسب إرادة الضر
إلى الرحمن ليدل على أن هذا الضرر في حقيقته رحمة، اقتضاه التدبير الإلهي.
وقد وردت النصوص الكثيرة التي
تقرب لنا حقيقة هذه الصفات العظيمة.. ففي الحديث أن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم رأى
امرأة تبحث عن ولدها، فجعلت كلما وجدت صبياً أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على
ولدها، فلما وجدته ضمته إليه وألقمته ثديها، فقال رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم:(
أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه؟)،
قالوا:( لا يا رسول اللّه)، قال:( فواللّهِ، للُّه أرحمُ بعباده من هذه بولدها) [1]
بل إن رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم
أخبرنا بأن هذه الرحمة التي وقفتها هذه الأم ليست سوى تجل من تجليات رحمة الله،
قال a:( جعل اللّه الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً وأنزل في
الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها
خشية أن تصيبه) [2]
وقد أخبر القرآن الكريم
أن ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طـه:5)، وفي ذلك إشارة
إلى أن مملكة هذا الكون الواسعة مبنية على أساس الرحمة الإلهية ومنتهية إليها.