للأسرة ثم للقبيلة.. ثم تطوروا
أكثر[1]، فآمنوا بأن
الله يتجلى في كل موجود، أو يخص بعض الأحياء بالحلول فيه.. وآمنوا مع ذلك كله
بتناسخ الأرواح.
ورأيت الطوطمية عاشت عندهم في
أرقي العصور كما عاشت في عصور الهمجية لهذا الامتزاج بين الاعتقاد الحديث
والاعتقاد القديم.. لكنهم خلصوا في الأخير إلى الإيمان بالإله الواحد، وإن اختلفوا
في المنهج الذي سلكوه في التعرف عليه.. فلم يكن إيمانهم به علي الأساس الذي قام
عليه إيمان الشعوب الأخرى بالتوحيد.
قلنا: فإلى أين رحلت بعد الهند؟
قال: بعد الهند قصدت الصين..
وقد كنت آمل من خلال ضخامتها وكثرة شعوبها وترامي أطرافها أن أجد فيها جميع أنواع
التصورات عن الإله..
لكني لم أجدهم ـ عبر تاريخهم
الطويل ـ يحبون الخوض في مباحث ما وراء الطبيعة.. ولهذا فإن التدين بينهم يكاد
يكون ضربا من أصول المعاملة وأدب البيت والحضارة.
أما العبادات.. فأشيعها بينهم
عبادة الأسلاف والأبطال.. وأرواح أسلافهم مقدمة بالرعاية علي جملة الأرواح التي
يعبدونها، ويمثلون بها عنصر الطبيعة أو مطالب المعيشة.. ولهذا، فإنه لا يقدر
الصيني قربانا هو أغلي قيمة، وأحب إلي نفسه من قربانه إلي روح سلفه المعبود.. وهو
يحتوي الأغذية والأشربة والأكسية والطيوب، ومنهم من يحرق ورق النقد هبة للروح التي
يعتقدون أنها تحتاج إلي كل شيء كانت تحتاج إليه، وهي في عالم الأجساد.
والخير والشر عندهم هو ما يرضي
الأسلاف أو يسخطهم من أعمال أبنائهم.. فما أرضي السلف فهو خير وما أسخطهم فهو شر..
وقد يختارون فردا من أفراد الأسرة ينوب عن جده
[1]
هذا ما عبر به العقاد.. ويعبر به علماء مقارنة الأديان عادة عند بحثهم في تاريخ
الأديان.. ونحن نرى أن الأمر ليس خاضعا للتطور المتوهم.. وإنما هو خاضع لتأثير رسل
الله والدعاة إليه، كما قال تعالى :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ
بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌO (فاطر:24)