وينظم القرآن هذا
المستوى من التدافع بمحاربة ما يسميه بـ (هوى النفس)، قال تعالى: ﴿ وَلا تَتَّبِعِ
الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (ص:26)، وقال :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ (النازعات: 40-41)
وأما الثاني، فهو
التدافع في ظل المجتمع الواحد، وهو مستوى تابع للأول، وبه ينشأ صراع بين الناس ولو
كانوا تحت مظلة الإيمان، ولذلك ينظمه الشرع ببيان الحقوق ووضع الحدود.. وقد وضع
القرآن الكريم مبادئ مختلفة حلاً لهذا المستوى من التدافع، بوصفه مبدأً للشورى،
ومبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأجمع هذه المبادئ هو
مبدأ تحقيق العدل.. كما قال تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (النحل: 90)
ومن أهم صوره: العدالة
الاجتماعيّة في توزيع الثروة والتوازن بين الحقوق والواجبات، ودفع المظالم
والطغيان.. أو كما عبر عن ذلك ابن مسكويه بقوله: (إن العدالة موجودة في ثلاثة
مواضع: أحدها قسمة الأموال والكرامات، والثاني قسمة المعاملات الإرادية، كالبيع
والشراء والمعاوضات، والثالث قسمة الأشياء التي وقع فيها ظلم وتعد)[1]
والعدل مطلوب في
الإسلام، ولو مع الأعداء، كما يقرره قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ
قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ (المائدة: 8)
وأما الثالث، فهو
التدافع الحضاري بين الأمم أو الشعوب المختلفة، والذي يشار إليه بـ (الصراع) أو
(صدام الحضارات)، وهو في الواقع ليس صداماً في جميع الأحوال، وإنما ينقلب صراعاً
وصداماً عندما يخرج عن ضوابط القانون الشرعي أو الفطري الذي تتحاكم إليه الأمم