ذنباً يدينه لما احتاج إلى أن
يقول: (ذروني أقتل موسى)، أي أنه لما احتاج أن يلتمس رضا بطانته وموافقتها على تنفيذ
حكم القتل على موسى.
ولكن موقف موسى u
البعيد عن كل التهم، دفع فرعون، مع غطرسته، أن يستشير بطانته في هذا الموضوع الذي
أصبح خطيراً، لأنه واجه الضمير الإنساني ودخل إلى أعماقه على مشهد من فرعون
وبطانته.
ففرعون، هذا الذي جُرِّد من كل
مسوِّغ للقيام ضدِّ موسى لم يجد شيئاً يتَّهمه به، لذلك اضطر أن يواجه الحق
بالباطل صراحة، فقد فُهِمَ من كلام فرعون على موسى أن آراء موسى وأفكاره خطيرة لأن
مثل هذه الآراء قادرة على تغيير نظامه.
ومادام يبغي تغيير الأوضاع، فإن
فرعون لا ينظر إليه بأنه يريد تغيير هذه الأوضاع بالقوة، وإنما ينظر لموسى بأنه
قادر على تغيير هذه الأوضاع لأنه لا يجد في نظامه قوة تستطيع أن تواجه الأفكار
التي يبيِّنها، وكذلك لا تستطيع مواجهة ضمائر الناس وعقولهم، التي كادت أن تقنع
بأفكار موسى الربانية تاركة نظام فرعون الفاسد وراءها ظهرياً. لذا وجد فرعون أن
استمرار هذه الأفكار يعني انهياراً لنظامه ودينه وبالتالي سقوطاً لحكمه، لذا طلب
فرعون قتل موسى قبل أن يبلغ ذروة أهدافه.
إن الإحساس بقوة الحجة في نفوس
الناس هو الذي حمل فرعون ويحمل كل الذين يخافون على نظمهم في كل مكان وزمان من قوة
الحجة أكثر من خوفهم من قوة السلاح، بل إنهم يتمنون أن يحاربهم الدعاة ليبطشوا بهم
دون تردد.
وإننا نرى أن كل الطواغيت عندما
يريدون أن يحكموا على أي داعية يلجؤون إلى اتهامه بالإرهاب أو الاغتيال، فهم
يفتشون دائماً في سجله التاريخي لعلهم يجدون فيه ما يدنيه.
وفرعون نفسه لم ينسَ أن يرجع
إلى سجل موسى التاريخي علَّه يتمكن من العثور على شيء يدينه به، فلم ينس أن يلوح
أمام الناس بفعلة موسى حيث قال :﴿ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا