بعد أن بقينا مدة نستمع لحكمة
هؤلاء الحكماء قال لي المحاسبي: لاشك أنك تريد أن ترى تأثير هذه التعاليم في
الواقع.
قلت: لقد طرقت ما في نفسي..
فأنا أشعر، وكأني أعيش في برج عاجي لا علاقة له بالواقع.
قال: تعال معي.. وسترى النفوس
المطهرة، وكيف تتحول معها الحياة..
سرت معه إلى محال كثيرة[1].. وقد رأيت
فيها من طهارة النفوس وسماحتها ولطفها وجمالها ما لا يمكن التعبير عنه..
لقد رأيت مقابل كل صورة من
الصور التي رأيتها من تلاميذي صورة تنسخها وتمحوها..
وقد أيقنت من خلال كل ذلك أن
الله وضع نفس الإنسان بيد الإنسان.. وأن لذتها وسعادتها لا تتحقق إلا في
اختياراتها الرفيعة.. وأن حريتها الحقيقية لا تكمن إلا في عبوديتها.
قلنا: فقد أسلمت إذن؟
قال: لم يبق بيني وبين الإسلام
إلا شعرة واحدة.. لكن لست أدري من قطعها.. وقد جئت هنا أبحث عمن يصلني بها.
قلنا: ألم تكن معهم؟
قال: بلى.. لقد كنت معهم..
ولكني في اليوم الذي أردت أن أكسر فيه الخراسانات المسلحة التي كانت تحول بيني
وبين إعلان إسلامي لم أجد أحدا منهم.
قلنا: أين ذهبوا؟
قال: لقد أجمع جميع من سألتهم
على أنهم جاءوا إلى هذه البلاد ليقمعوا الفتنة التي تريد
[1] انظر الشواهد الكثيرة المثبتة
لهذا في رسالتي (أسرار الإنسان) و(أسرار الحياة) من هذه السلسلة.