كنت كهؤلاء جميعا أصيح في داخلي
بموت الإله، وكل القيم، وكل المبادئ، وكل الأخلاق.. وكل ما يمنع النفس الممتلئة
بالشهوات، ويقف في طريقها.
لقد كنت كمن امتلأت بطنه، فراحت
تزاحم دماغه وقلبه.. وتريد أن تحرمهما من الوجود..
هكذا كنت.. وهذه هي صورتي
الكاريكاتورية.. أو هي صورتي الحقيقية.. فأنا لم أكن إلا بطنا مليئا بأصناف اللعب
والشهوات..
نعم.. أنا ذلك الرجل.. وتلك هي
حقيقتي.. ولكني لن أحدثكم عن نفسي.. فلا شك أنكم تعرفون الكثير عني.. أنا أريد أن
أحدثكم عن سر رحلتي إلى هذه البلاد.
لعلكم لا تصدقون أنني ـ أنا
سارتر ـ جئت إلى هذه البلاد بحثا عن المحاسبي[1].. لقد وجدت
في المحاسبي الماء الذي كنت أبحث عنه.. أو كانت نفسي وجميع لطائفي تبحث عنه..
قلنا: فمن أين تبدأ قصتك؟
قال: بعد أن تشربت كل تلك
المبادئ، وامتلأ عقلي بذلك التمرد الذي أوحته إليه نفسي، قررت أن أصير أستاذا
لألقن الأجيال ما كنت قد لقنته، واقتنعت به، وسرت حياتي جميعا على هديه.
لقد كنت أصيح في تلاميذي بكل
صوتي: ليس الوجود إلا أنتم.. ولولا أنتم لما كان هناك أي وجود.
وكنت أقول لهم: الإِنسان أقدم
شيء في الوجود.. وما قبله كان عدماً.. وما بعده سيكون
[1]
أشير به إلى المحاسبي، وهي الشخصية التي جعلناها مقابلة لسارتر في هذا الفصل،
وسنترجم لها عند الحديث عنها.