رأيت في تلك القاعة الكثير من
الشخصيات المسلمة الكبيرة التي كان لها الفضل العظيم على الحضارة الإنسانية، وقد
رأيتها جميعا تستعمل هذا النوع من المدارك من غير أن تشعر بأي تناقض بينه وبين
معرفتها بالله وإيمانها به، وقد دعاني الفضول في بعض المجالس، فسألت بعض أولئك
العلماء عن سر عدم استعمالهم هذا المنهج في التعرف على الله[1]، فابتسم،
وقال: هل يمكن لأذنك أن تدرك المبصرات، أو يمكن لذوقك أن يدرك المشمومات؟
قلت: كلا.. فلكل منها ميدانه
الذي لا يمكنه أن يتجاوزه.
قال: فكيف تريد من عيوننا
القاصرة، وقدراتنا المحدودة، وتجاربنا الحقيرة أن تتطلع لمعرفة الذي ليس كمثله
شيء.
إن التجربة تقتضي التكرار..
وليس ربك إلا واحد.
قال ذلك، ثم انصرف عني بهمة
عجيبة إلى تجاربه.
الخواطر النفسانية:
سرنا إلى قسم آخر في (أكاديمية
العقل المسلم).. فوجدت رجلا منشغلا عن كل شيء، فقصدته، وقلت له: ما الهم الذي جعلك
تنعزل عن الكل؟.. اذكره لي لعل في طاقتي أن أملأ قلبك بأنواع السلوى.
قال: أنا لم أجلس هنا مهتما ولا
حزينا، بل جلست متعلما.
قلت: على من؟.. لا أرى أمامك أي
أستاذ.
قال: على نفسي.. إن من لم
يتتلمذ على نفسه لا يصلح له أن يتتلمذ على أي أستاذ.
قلت: نفسك إن تتلمذت عليها
ساقتك إلى أنواع الشرور.
[1]
انظر الرد المفصل على هذه الشبهة في رسالة (الباحثون عن الله) من هذه السلسلة.