تعيش داخل الشعور، ولكن لدى
التعمق نجد أن هذه الفكرة قد لا تكون وليدة واقع موضوعي.. بل وليدة هاجسة نفسية أو
قوة علوية تبعثها في نفوسنا.. أليس أولئك الواقعيون يعترفون بوجود أفكار لا واقع
لها.. فلماذا لا يجعلون كل الأفكار بعيدة عن الواقع؟
سكت قليلا، ثم قال: لندع
التصورات الساذجة.. ولندرس المعارف البشرية، هل هي ذات قيمة بعد التناقض الذي نجده
بينها؟ فهي لا تقوم إلا لكي تنهار.. فكم من قضية كانت من المسلمات، أصبحت من
الخرافات، وكم من فكرة أجمع عليها المفكرون، ولم تمض عليها فترة حتى اصبحت مهجورة.
فالواقعيون لا يتمكنون من ادعاء
الصحة في أي جزء من معلوماتهم ما دامت سائر الاجزاء قد تبخرت مع حرارة الزمن!
قلت: ألا ترى أن ما تقوله
مثالية؟
قال: إن كانت المثالية تعني أن
الوجود لا يعني سوى التصور، فأنا مثالي، وفلسفتي مثالية.
قلت: فأنت تنكر بقولك هذا
العالم..
قال: أنا لا أنكر العالم، ولا
أي حقيقة موضوعية فيه.. ولكني أنكر أن تكون حقيقة الأشياء هي الوجودات المستقلة
عنا، القائمة بذاتها.. إن هذا وهم كبير.. إن حقيقتها لا تعدو أن تكون مجموعة
تصورات تتفاعل داخل شعور كل منا، وكل ما يقوله الناس عن العلم والصناعة والتاريخ
والاكتشافات والنشاطات المادية حقيقة لا ريب فيها، ولكنا نسأل عن معنى الحقيقة؟
انهم يحسبون أن معناها الوجود المادي الكثيف، ولكني أقول إن معناها الوجود الذهني
اللطيف.
قال ذلك، ثم استغرق في صمت عميق
قال بعده: كل ما يقوله العلماء والفلاسفة والناس جميعا صحيح، ولكنه لا يعني وجود
واقع خارج الشعور.. بل إن كل ما يذكرونه تصورات شعورية محضة.