وبالتالي فإن عقلي رفض نظريته،
لأني رأيت أنه من دون وجود عقل يكشف عن صحة أو زيف الاحساس لا يمكننا أن نثق به
ونستثمره في سبيل تحصيل العلم..
وقد رأيت أن لوك ذاته تنبه إلى
هذه الملاحظة فجعل العلم الناشئ من الإحساس في الدرجة الثالثة من الأهمية بعد
العلم الذي يحصل بالوجدان والعلم الذي ينشأ من الاستدلال.
المثالية الفلسفية:
قلنا: فإلى من لجأت بعده؟
قال: إلى رجل دين كان مطرانا
إنجليكانيا.. وكان في نفس الوقت فيلسوفا.. كان يقال له (جورج بارْكلي)[2].. لقيته
بمسقط رأسه أيرلندا..
قال لي أول ما لقيته: لاشك أنك
كنت عند ذلك الأعمى الذي يقال له (جون لوك)
[1]ومن هنا قال جون ديوي عن لوك:(
إن كلمة (خبرة) حين استعملت عند بدء ظهورها استعمالا يضفي عليها الوقار بولغ ـ
بغير شك ـ في جانبها المتصل بالملاحظة، كما نرى مثلا عند (بيكن ولوك) ونستطيع أن
نلتمس لهذه المبالغة تعليلا سريعا في كونها حدثت في الظروف التاريخية التي حدثت
فيها (أي إنها كانت من وحي الظروف الخارجية) ذلك لأن الفكر الفلسفي كان قد تدهور
حتى بلغ صورة استبيح معها الظن بأن اعتقاداتنا عن أمور الواقع يمكن، بل ينبغي أن
نحصلها بالتدليل العقلي وحده الا إذا كانت مستندة إلى أقوال النقاد، فتولدت عن
معارضة هذه النظرة المتطرفة نظرة أخرى تساويها في قصر نفسها على جانب واحد، وهي إن
الإدراك الحسي وحده يمكن أن يقرر لنا على نحو مرض ما عسانا نريد أن نعتقده عن أمور
الواقع، فأدت هذه الفكرة عند (بيكن) وبعد ذلك عند (لوك) إلى اهمال الدور الذي
تؤديه الرياضة في البحث العلمي كما أدت عند لوك إلى تقسيم يوشك أن يكون فاصلا بين
معرفتنا لأمور الواقع ومعرفتنا لما يقوم بين أفكارنا من علاقات، على أن هذه
المعرفة الأخيرة ـ بناءاً على مذهبه ـ تعود فترتكز في نهاية الأمر على الملاحظة
الخالصة سواء كانت تلك الملاحظة داخلية أم خارجية نتج عن ذلك مذهب يرد الخبرة إلى
إحساسات هي المقومات التي تتألف منها كل ملاحظة كما يرد الفكر إلى روابط خارجية
تصل هذه المقومات على أن المفروض في الاحساسات وفي روابطها معا أن تكون عقلية فقط
أي أن تكون نفسية خالصة) (المنطق نظرية البحث).
[2]هو جورج بارْكلي (1685 -
1753م) هو مطران إنجليكاني وفيلسوف، وُلد فى أيرلندا.. وقد حاول ربط العلم السائد
في عصره بالمسيحية.