قال: ذهبت إلى (نابولي).. وهناك
وجدت مدرسة دومينيكانيه [1]..
وفيها التقيت بأستاذ حاول أن يجمع بين أفكار أرسطو الرئيسية مع التوراة والعقيدة
المسيحية.. كان اسمه (القديس توما الأكويني) [2]
وقد رأيت من خلال صحبتي له أنه
لم يأل جهدا في المزج بين فكر أرسطو، والفكر اللاهوتي.. وقد رأيت كثرة أتباعه.. بل
رأيت أن فلسفته تحولت إلى الفلسفة الرسمية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.. وكانت
تسمى عندها (الفلسفة المدرسة)[3] أو
(فلسفة المدرسيين)
[1] نسبة إلى تنظيم ديني روماني
كاثوليكي أسسه القديس الأسباني (دومينيك) في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي..
وقد اشتهر الدومينيكانيون بأنهم وعاظ ومدرسون ومنصرون.. وكان تنظيم الدومينيكانيين
أول تنظيم يؤكد العمل الذهني، إذ أن الأنظمة السابقة قد ركزت على الأعمال اليدوية،
وخلال جيل من قيام التنظيم، ترأس الدومينيكانيون الأقسام اللاهوتية في كثير من
الجامعات الكبيرة، ومن بين الأعضاء ذوي الشهرة في التنظيم القديس ألبرتوس ماجنوس
والقديسة كاثرين السيناوية، والقديس توما الأكويني.
[2] هو القديس توما الأكويني
(1225؟ - 1274م).. كان أحد أشهر الفلاسفة وعلماء اللاهوت الذين عرفتهم العصور
الوسطى في الغرب بتأثيره البالغ على الفكر النصراني، وبصفة خاصة على مذهب الروم
الكاثوليك.
نشأ
ببلدة روكاسيكا قرب كاسينو بإيطاليا، وتلقى تعليمه بجامعة نابولي، وانضم إلى سلك
الرهبنة الدومينيكاني. عين قسيسًا على يد القديس ألبرت الكبير عالم اللاهوت
الألماني، ثم صار توما أستاذًا للاهوت في جامعة باريس، حيث اشتهر بتميزه في الجمع
بين ورعه الديني، وذاكرته الموسوعية وفرط تركيزه.
وفي
عام 1258م بدأ في تأليف كتابه (الدعوة إلى دحض المنكرين للعقيدة)، يدافع فيه عن
عقلانية العقيدة المسيحية، موجهًا خطابه إلي غير المسيحيين. وفي الفترة مابين
الأعوام 1259 و 1268م خصَّص كتاباته للتعليق على كتابات الفيلسوف اليوناني أرسطو.
وفي عام 1265م بدأ في تأليف أشهر أعماله المسمى بحث لاهوتي شامل. وقد اهتم فيه
بشرح العقيدة النصرانية بتصنيف وترتيب متقن. ولكنه مالبث أن توقف عن التأليف، إذ
أعلن عن دخوله في تجربة وجدانية تركته يوقن أن مجمل ما فعله حتى ذلك الحين لايرقى
إلى ماتبدَّى له إثر ذلك الفيض الروحاني. وقد قام البابا يوحنا الثاني والعشرون
بإعلانه قديسًا في العام 1323م. ويُحتفل بعيده في السابع من مارس من كل عام..
[3]سادت هذه المنظومة الفكرية بين
القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر الميلاديين، وهي تُشير إلى منهج فلسفي للاستقصاء،
استعمله أساتذة الفلسفة واللاهوت في الجامعات الأولى التي ظهرت في أوروبا الغربية.
وكانوا يُسمّون المدرسيين.
ويعتمد
المنهج المدرسي على التحليل الدقيق للمفاهيم، مع التمييز البارع بين المدلولات
المختلفة لتلك المفاهيم. وقد استعمل المدرسيون المحاكمة الاستنتاجية انطلاقًا من
المبادئ التي وضعوها بمنهجهم، بقصد إيجاد الحلول للمشكلات العارضة.
نشأت
المدرسية نتيجة لترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية
في العصر الوسيط. فهذه الأعمال حثت المفكرين آنذاك على التوفيق بين
قدّم
المدرسيون مساهمات قيمة في تطور الفلسفة، منها ما قدّموه من أعمال في مجال فلسفة
اللغة. حيث بينوا كيف يمكن لخصائص اللغة أن تؤثر في تصورنا للعالم. كما أنهم ركزوا
على أهمية المنطق في البحوث الفلسفية.