قال: صدق الشاعر، فالحب في
مقياس الحقيقة موت حقيقي، فالروح المسلوبة، الغائبة عن نفسها، الفانية عن وجودها،
المستسلمة لهواها روح ميتة.. ولذلك يعتبر العارفون هذه الحال مرضا نفسيا لا يقع
فيه إلا ضعاف العقول، قال الغزالي: (ما العشق إلا سعة إفراط الشهوة، وهو مرض قلب
فارغ لا هم له)
قلت: سلمت لك بهذا..
فهل يخلو الحب الذي تدعو إليه من هذا؟
قال: أجل..
قلت: أثبت لي ذلك.
قال: ما أول ما ينشر
المرض في المحبين؟
قلت: أشياء كثيرة..
منها فراق المحبوب أو إعراضه أو غيابه أو بغضه..
قال: ولذلك كان ذلك
الحب مدنسا.. فمن الجنون أن تحب من يفارقك أو يعرض عنك أو يغيب أو يبغض..
قلت: لقد عرفت هذا
الجنون في الحب المدنس.. فكيف يخلو المقدس من هذا الدنس؟
قال: أما الفراق.. فإن
محب الله لا يعرفه.. فالله لا يغيب أبدا.. بل هو أقرب إلينا من أنفسنا.. لقد قال
الله تعالى يذكر قربه من عباده :﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ )(البقرة: من الآية186)، وقال تعالى :﴿ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ
مُجِيبٌ)(هود: من الآية61)، وقال تعالى:﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا
تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا
عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ