وهؤلاء المختارون لهم من الأسباب العادلة
ما تفضل الله به عليهم بذلك الاختيار، فهم في طيبتهم وسلامة نفوسهم وصفاء جواهرهم
ما جعلهم أهلا لحلول ذلك الفضل الإلهي، فهم مثل التربة الطيببة عندما تسقى بالماء
الزلال، فتنتج من كل خير، وتنبت من كل طيب.
لقد ذكر الله تعالى ذلك، فقالك:﴿
وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا
أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾
(الأنعام: 124)
لقد قال الله ذلك لمن أنكروا أن يتفضل
الله على محمد a كما تفضل على إخوانه من
المرسلين.
لقد كان هؤلاء الكفار ينظرون باحتقار إلى
رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، لأنهم كانوا يتصورون أن الرسول
عندما يختاره الله سيختاره من تلك الفئة المستكبرة الغنية الوجيهة، كما قال
تعالى:﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف:31)، أو كما يتصور اليهود أن الله تعالى
لابد أن يختار رسولا من بني إسرائيل، وكأن بني إسرائيل وحدهم خلق الله، وغيرهم خلق
الشيطان.
لقد رد الله على هذا الاحتقار،
فقال:﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ
دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (الزخرف:32)[1]
وقد قوبل بهذا النوع من الاحتقار جميع
الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بما فيهم المسيح نفسه، وأخونا القس الفاضل يقر بما لا
نقر به نحن المسلمين من الإهانة الشديدة التي وجهها اليهود للمسيح حين صلبوه،
ووضعوا تاج الشوك على رأسه.