في أذنيه قُطناً خشية أن يسمع شيئاً من
القرآن، وأبى الله سبحانه إلا أن يسمعه شيئاً منه مع وجود ذلك القطن، فهدى الله
قلبه لسماع القرآن ومن ثَمَّ شرح الله صدره للإسلام[1].
ولما سمع الوليد بن المغيرة القرآن
فكأنّه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك
مالاً ليعطوه لك، فإنك أتيت محمداً لِتَعرَّض لما قِبَله، قال: قد علمت قريش أني
من أكثرها مالاً! قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له، قال: وماذا أقول؟!
فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا أعلم برَجَزِه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار
الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة وإن عليه
لطلاوة، وإنه لمُثمر أعلاه مُغْدِق أسفله، وإنه ليَعْلو وما يعلى، وإنه ليَحْطِمُ
ما تحته.
قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.
قال: فدعني حتى أفكر فيه، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يؤثره عن غيره، فنزلت
الآيات في الوليد قال تعالى:﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ
وَحِيدًا(11)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا(12)وَبَنِينَ
شُهُودًا(13)وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(14)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(15)كَلَّا
إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا(16)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(17)إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ
نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ
هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ
الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)﴾ (المدثر)[2] (13)
فقول الوليد: إن القرآن سحر، يبين عميق
التأثير الذي أحدثه القرآن في نفسه.
وقال الزهري: حُدِّثْتُ أن أبا جهل وأبا
سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل
منهم مجلساً ليستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فلما طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم
الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم
[2] أخرج هذه الحادثة الحاكم
في المستدرك 2/550 وقال صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي،
وعن الحاكم أخرجها البيهقي في شعب الإيمان 1/156-157.