ونستطيع أن نتصور ما كان في قلوب
الفريقين من حقد إذا تأملنا قليلاً هذه الحادثة التي يرويها التاريخ، فقد ذكر
المؤرخون أن الروم حينما اتفقوا مع المسلمين على تسليم حصن بابليون أعطاهم
المسلمون مهلة ثلاثة أيام لإخلاء الحصن، وكان آخر أيامهم في ذلك اليوم هو يوم عيد
الفصح، ولكن نكبتهم هذه وحرمة ذلك اليوم لم تمنعهم من إرواء غليلهم والتنكيل بأسرى
الأقباط الذين سجنوهم من قبل في الحصن، فسحبوهم من سجونهم، وضربوهم بالسياط،
وقطَّع الجند أيدهم.
ولم يقتصر الأمر على مصر، بل إن أباطرة
الدولة الرومانية الشرقية اضطهدوا النسطوريين أيضاً في آسيا الصغرى والشام وفلسطين
مما كان سبباً في التجاء علمائهم إلى العراق وفارس.
وتظهر البغضاء الكامنة في قلوب المسيحيين
بعضهم لبعض بوضوح في أيام الحروب الصليبية، فعلى الرغم من وحدة غرضهم، وهو القضاء
على المسلمين، وعلى الرغم من موجة الحماس الديني التي سادت أوروبا في ذلك الوقت،
فإن سيرتها من أولها إلى آجرها تدل على انعدام الإخلاص.
وأول مظهر يدل على ذلك هو تغرير إمبراطور
القسطنطينية بحملة بطرس الناسك، وعمله على التخلص منها لما كانت تتطلبه من
تموينات، وما كان سيلازم بقاء ثلاثمائة ألف محارب من اختلال في الأمن في عاصمة
ملكه، فسهل لهم العبور إلى الضفة الأخرى من البسفور، فكانوا لقمة سائغة ابتلعها
السلجوقيون بدون مشقة، إذ أبادوا الحملة عن آخرها، فكيف تفسرون عمل الإمبراطور
الذي أخذ يستغيث بمسيحيي أوربا لإنقاذه من السلاجقة حتى إذا هبوا لنجدته عمل إلى
التخلص منهم.
ومن أظهر الأمثلة على انعدام الإخلاص بين
المسيحيين بعضهم مع بعض قصة الحروب الصليبية الثالثة، فقد أدى الخلاف بين ريتشارد
قلب الأسد ملك إنجلترا، وبين فيليب أغسطس ملك فرنسا إلى عودة ملك فرنسا إلى بلاده
وترك ريتشارد وحيداً ليحارب صلاح الدين، وزاد