لقد ذكر لي بكل ألم ما فعل رجال الدين عندما انفجر بركان العقلية في أوربا،
وحطم علماء الطبيعة والعلوم سلاسل التقليد الديني فزيفوا هذه النظريات العلمية
التي اشتملت عليها هذه الكتب، وانتقدوها في صرامة وصراحة، واعتذروا عن عدم
اعتقادها والإيمان بها بالغيب، وأعلنوا اكتشافاتهم العلمية واختباراتهم، فقامت
قيامة الكنيسة، وقام رجالها المتصرفون بزمام الأمور في أوربا وكفروهم واستحلوا
دماءهم وأموالهم في سبيل الدين المسيحي.
لقد قدر المؤرخون من عاقبت هذه المحاكم بهذه الأسباب وغيرها، فبلغ عددهم
ثلثمائة ألف، أحرق منهم اثنان وثلاثون ألفاً أحياء، كان منهم العالم الطبيعي
المعروف برونو، نقمت منه الكنيسة آراء من أشدها قوله بتعدد العوالم، وحكمت عليه
بالقتل، واقترحت بأن لا تراق قطرة من دمه، وكان ذلك يعني أن يحرق حياً، وذلك ما
حصل [1].
كان هذان السببان هما الأصلان اللذان اعتمدت عليهما العقيدة الإلحادية التي
لجأ إليها صاحبي الفلكي.. لجأ إليها مكرها لا مختارا.
ولكني مع ذلك كنت أشعر أنه ـ في قرارة نفسه ـ يؤمن بالله، بل يحن للتعرف
عليه والاتصال به.. ولولا اصطدامه بما في الكتاب المقدس، وبما مارسته الكنيسة لكان
من أول المسارعين له، المؤمنين به.
ولادة السماء
بعد انتهاء المحاضرات أرسلت إلى علي مع صديقه حذيفة بأنا سنسير إلى مرصد
فلكي موجود على جبل من جبال تلك المدينة، وأخبرته عن حال صديقي النفسية وموقفه من
الدين، والتي ذكرتها لك، ونبهته إلى ما شرطته عليه.
[1] انظر: المرجع
السابق، وانظر تفاصيل وافية عن هذا في (ثمار من شجرة النبوة) من هذه السلسلة.