في اليوم الأول.. بدأ المؤتمر باحتفال رسمي شارك فيه سلطات البلدة المحليين،
بالإضافة إلى الوجهاء فيها، وخلالها قدم بعض المشايخ دروسا عن اهتمام القرآن
الكريم بآيات الله في الآفاق والأنفس.. وكانت محاضرات رائعة لولا ما امتلأت به من
أسانيد ونقول عن المفسرين المختلفين، جعلت أكثر كلامهم إطنابا لا حاجة له بالنسبة
لي.. وإن كان الكثير استساغ ذلك الأسلوب.
بعدها قدم صاحبي الفلكي محاضرته.. وكانت محاضرة علمية بحتة.. لكنها جافة
غاية الجفاف.. ولم أجد لها أي صلة بالقرآن.. فكل ما ذكره هو حديثه عن عظمة الكون
وسعته وكثرة أجرامه.. وقد ضم كلامه أرقاما كثيرة لم أر الكثير يهتم لها، ولا بها.
كان يتحدث عن الكون، وكأنه يتحدث عن مصنع مهجور لا صاحب له.. يتحدث عن آلاته
وعماله من غير أن يبرز أي صلة تجمع بين هذه المكونات جميعا.
كانت معلومات صاحبي ضخمة.. ولكنها مشوشة لعدم الرابط الذي يربط بين
محتوياتها.
وقد أحسست بذلك التشويش على سمات وجهه..
لقد كان الرجل ملحدا في الحقيقة.. ولم تكن له من صلة بالكنيسة غير صلة
الانتماء الوراثي.. وقد جره إلى الإلحاد ـ على حسب ما ذكر لي ـ سببان:
الأول: هو ما احتواه الكتاب المقدس من أمور تعتبر أخطاء في الموازين
العلمية.. لقد قرأ علي في أول لقاء لي معه ما جاء في التوراة من شرح لأحداث أيام
الخلق، ثم قال بكل حسرة: إن هذا النص الطويل هو السبب فيما حصل لي من ابتعاد عن
الله، أنا أشعر بالله.. وأشعر أنه يستحيل أن ينبني هذا الكون من غير أن يكون له
صانع يصنعه ويبدعه.. ولكني في نفس الوقت أشعر بأن الإله الذي قال هذا الكلام إله
لا يستحق أي احترام.. لأنه يجهل أبسط المبادئ العلمية..