لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ﴾، فالوهن الذي أخبر عنه القرآن الكريم ليس
في خيط العنكبوت؛ وإنما هو في البيت، الذي نسج من ذلك الخيط.
فالعجيب أن من هذه الخيوط(القوية) تصنع بيوت العنكبوت(الضعيفة) الواهية
والواهنة. وإلى هذا يشير قوله تعالى:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ
أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾
فهي تذكر أن من يتوكل على غير الله، طالبًا المناصرة والمؤازرة، فإنه بذلك
يختار، ويتخذ منهجًا واهيًا، وليس قويًّا؛ كما قد يتصور، فالعنكبوت مثلاً تنسج
بيتها بنفسها، وتعتمد بالطبع على خيوطها القوية، وتتصور أنها بذلك قد صنعت
بيتًا قويًّا؛ ولكنه في الحقيقة واهن وضعيف في الهواء. فكذلك هو الحال مع من
يولي أمره لغير الله، ويتصور أن هؤلاء الأولياء بمجموعهم قد ينفعونه. فهذا
المنهج واهن.
والعبرة والعظة والإعجاز في هذا التشبيه القرآني نتلمسه في ضوء ما توصل إليه
العلماء، فبيت العنكبوت بخيوطه القوية، يسهل إطاحته؛ ولكن إذا استعملت تلك
الخيوط العنكبوتية في ظروف أخرى، وبمنهج آخر، فإنها تكون نسيجًا قويًّا جدًّا،
وشديدًا في متانته، ويصلح لصد الرصاص.
أما وهن بيت العنكبوت من الناحية المادية، فلأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية
غاية في الدقة تتشابك مع بعضها البعض تاركة مسافاتٍ بيْنِيَّة كبيرة في أغلب
الأحيان؛ ولذلك فهو لا يقي حرًّ، ولا بردًا، ولا يحدث ظلاً كافيًا، ولا يقي من
مطر هاطل، ولا من رياح عاصفة، ولا من أخطار المهاجمين.
ولهذا يغزل العنكبوت خيطًا من الحرير يُسمَّى: خيط الجذب، وخيط الحياة؛ وذلك
لأنه يستعمله- غالبًا- في الهروب من الأعداء، فإذا أحس العنكبوت بخطر، يهدد نسيجه،
فإنه يهرب من النسيج بوساطة خيط الجذب؛ ليختبئ بين الأعشاب، أو يبقى متعلقًا به في
الهواء،