ولهذا قال تعالى في الآية التي تشير ـ هي الأخرى ـ إلى دوران الأرض:﴿
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ (الفجر:4
-5)
والحجر معناه: العقل المفكر.
وهذا القسم يصف الليل بالحركة، وفي ذلك كناية بالغة عن حركة الأرض حول
نفسها، وقد تكرر مثل هذا القسم في مواضع من القرآن الكريم، فالله تعالى
يقول:﴿ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ﴾ (المدثر:33)، ويقول:﴿
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ (التكوير:17).. وفعل عسعس معناه: أقبل ظلامه
أو أدبر، وفعل يسر معناه: التحرك.
أنتم تلاحظون أن الله تعالى لم يصف النهار بالإقبال والإدبار، لأن هذا أمر
طبيعي ينتج من إدبار الليل وإقباله، بل وصفه بالوصف الخاص بظواهر النور وسلوك
الضوء القادم من الشمس أثناء اختراقه لطبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض مسبباً
بالانكسار والتشتت والانعكاس ظواهر الإسفار في أول النهار، والشفق في آخر النهار،
والنور أثناء النهار، ولولا الغلاف الجوي لساد الظلام فوق رؤوسنا رغم بزوغ الشمس،
كما هو الحال في الفضاء.
بالإضافة إلى هذا هناك آيات قرآنية أخرى تشير إلى دوران الأرض حول نفسها
مغزلياً كما في قوله تعالى:﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ (النور:44)، فالتقليب
هنا حقيقة تحدث فعلاً، ويعني الحركة، وإحلال أحدهما محل الآخر حتى يتم التقليب،
مشيراً بذلك على الدوران المغزلي للأرض بصريح العبارة بإحلال مكان الليل مكان
النهار وبالعكس.
بدأت وجوه الجماعة تسفر عن أسارير تمتلئ بالسرور، مما شجع علي على مواصلة
حديثه، حيث راح يقول: آية أخرى تؤكد هذه الحقيقة باعتبارها سنة كونية سائدة في
جميع الأجرام منذ بدأ خلقها، فالله تعالى يقول:﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ