على زمن، فإننا منطقياً لا بد أن نبحث عن المعنى المقصود، وذلك باستخدام
المجاز المرسل[1]، وبهذا فإن التفسير الصحيح لهذه الآية هو (يلف أو ينشر في اتجاه مستدير) أي
أن الله تعالى يكور ظلمة الليل على مكان النهار على سطح الأرض، فيصير ليلا، ويكور
نور النهار على مكان الليل فيصير نهاراً، وكأنه يقول بهذا بلغة العلم (لف الأرض
الكروية حول محورها أمام الشمس)، وذلك حتى يحدث تتابع الليل والنهار في الغلاف
الجوي للأرض.
ويؤيد ذلك آيات الإيلاج وتكرار الفعل يولج، فالله تعالى ذكر هذا في مواضع من
القرآن، فهو يقول:﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
﴾ (الحج:61).. وهو يقول:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ ﴾ (لقمان:29).. وهو يقول:﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي
النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً ﴾ (فاطر: 13).. وهو يقول:﴿
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ
عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ (الحديد:6)
أنت تعلم أن الإيلاج في أصل معناه هو إدخال شيء في آخر بحيث يحيط به
ويساويه، حجماً ومساحة، وبما أنه لا معنى مطلقاً لإيلاج زمن الليل في زمن النهار،
أو بالعكس، فإن المقصود من تعاقب الليل والنهار بإيلاج كل منهما في الآخر هو
بالمجاز المرسل، إيلاج لازم من لوازم الليل في آخر من لوازم النهار السابق ذكرها
والمعنى المنطقي المقصود باختيار اللازم المناسب هو (يولج الله مكان الليل في مكان
النهار، فيصير نهاراً، ويولج مكان النهار في مكان الليل فيصير ليلاً) أو بتعبير
آخر (يجعل مكان الليل يحل محل مكان النهار، والعكس بالعكس
[1] إطلاق الظرف وإرادة المحل والمكان
معروف في اللغة، ومشهور في القرآن الكريم ومن ذلك قوله تعالى عن أهل
الجنة:﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (آل عمران:107)، فالمراد هنا إطلاق الصفة ويراد بها
الموصوف، أو الظرف ويراد به المظروف.