رتلها بصوت خاشع كما يرتل المسلمون، ثم قال: في هذه الآيات
تجتمع جميع أشواق الروح المنسجمة مع العقل..
تبدأ الآيات بمنظر السموات والأرض، وهما ينزعان ثياب نظر
الغفلة ليلبسا ثياب نظر الاعتبار.. ويبرز بعدها أولو الألباب الذين اكتحلت عيونهم
بتلك النظرة المقدسة، فيهرعون إلى ذكر الله، والبحث عنه في ملكه وملكوته.
ثم لا يلبثون أن يهتدوا إلى الله، فتحلق أرواحهم إليه،
وتجلس بين يديه، وتمد يدها إليه بالدعاء.. وتنتهي الآيات بذكر استجابة الله
لدعواتهم وتبشيره لهم.
إنه مشهد حي يمكن أن يفعله أي مسلم في أي محل ومن غير حاجة
إلى أي واسطة.
تحكي عائشة زوج محمد أثر هذه الآيات على محمد عندما نزلت
عليه، فتقول لمن سألها عن أعجب شيء رأته من محمد، فَبَكَتْ، وقالت: كُلُّ أمره كان
عجبا، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي، ثم قال: ذريني أتعبد لربي، قالت: فقلت:
والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تَعبد لربك. فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب
الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بَل الأرض، ثم اضطجع على
جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يُؤذنه بصلاة الصبح قالت: فقال: يا رسول الله، ما
يُبكيك؟ وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر، فقال:( ويحك يا بلال، وما يمنعني
أن أبكي وقد أنزل عليّ في هذه الليلة:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ