في اليوم الثالث.. وصلني ظرف محترم من بعض أهل الإسكندرية
يريد أن يقابلني فيه.. كان الظرف رائعا.. وكان مختصرا جدا يدل على مدى الجد الذي
يتحلى به صاحبه.. وكان ـ فوق ذلك ـ يدل على كون صاحبه مسيحيا ملتزما، فقد كان
أسلوب كتابته ينم عن علاقة وثيقة للكاتب بالكتاب المقدس.
لست أدري كيف رضيت بمقابلته.. مع أني لم أكن أنوي مقابلة
أحد في ذلك اليوم، بسبب ما امتلأت به في اليوم السابقين من الإحراج الذي أوقعني
فيه الكتاب المقدس.
دخل علي المكتب.. وكان في غاية التهذيب والأدب، فألقى
التحية، وقال بعدها مباشرة من غير مقدمات: أعرفك بنفسي.. أنا يعقوب سمعان.. وقد
جئتك لغرض يرتبط بالكتاب المقدس، فإن أذنت لي أن أطرحه فعلت.
قلت: لا بأس.. أنا لم أنزل إلى بلادكم إلا لأجل الكتاب
المقدس.. فاطرح ما شئت.. فلن تجد مني إلا الآذان الصاغية.
نظر إلي نظرة كلها جد، وقال: لقد درست الكتاب المقدس دراسة
فاحصة من حيث محتوياته.. ومن حيث ما يمكن أن يؤثر تربية أو يفيد علما.
قلت: بورك لك هذا الاهتمام.
قال: لم آتك لأجل هذا.. وإنما جئتك لأجل غرض آخر.
قلت: تحدث بلا حرج.
اللغو:
أخرج الكتاب المقدس من محفظته، وأخرج معه كراسة صغيرة،
وقال: أنا رجل جاد بطبعي.. لا أحب الكلام الكثير الذي لا تكون له أي فائدة.. وقد
رأيت الكتاب المقدس ممتلئا كلاما كثيرا