responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الباحثون عن الله رواية نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 599

 

فحينما نظرت إلى اليمين الذي هو الماضي باحثاً عن نور ورجاء، بدت لي تلك الجهة من بعيد على هيئة مقبرة كبرى لأبي وأجدادي والنوع الإنساني، فأوحشتني بدلاً من أن تسلّيني.

ثم نظرت الى يسار الذي هو المستقبل مفتشاً عن الدواء، فتراءى لي على صورة مقبرة كبرى مظلمة لي ولأمثالي وللجيل القابل، فأدهشني عوضا من أن يؤنسني.

ثم نظرت إلى زمني الحاضر بعد أن امتلأ قلبي بالوحشة من اليمين واليسار، فبدا ذلك اليوم لنظري الحسير ونظرتي التأريخية على شكل نعش لجنازة جسمي المضطرب كالمذبوح بين الموت والحياة.

فلما يئست من هذه الجهة أيضاً، رفعت رأسي ونظرت إلى قمة شجرة عمري، فرأيت أن على تلك الشجرة ثمرة واحدة فقط، وهي تنظر اليّ، تلك هي جنازتي، فطأطأت رأسي ناظراً إلى جذور شجرة عمري، فرأيت أن التراب الذي هناك ما هو إلاّ رميم عظامي، وتراب مبدأ خلقتي قد اختلطا معاً وامتزجا، وهما يُداسان تحت الاقدام، فأضافا الى دائي داء من دون أن يمنحاني دواءً.

ثم حوّلتُ نظري على مضض إلى ما ورائي، فرأيت أن هذه الدنيا الفانية الزائلة تتدحرج في أودية العبث وتنحدر في ظلمات العدم، فسكبتْ هذه النظرة السمَّ على جروحي بدلاً من أن تواسيها بالمرهم والعلاج الشافي.

ولما لم أجد في تلك الجهة خيراً ولا أملاً، ولّيت وجهي شطر الأمام ورنوت بنظري بعيداً، فرأيت أن القبر واقف لي بالمرصاد على قارعة الطريق، فاغراً فاه، يحدق بي، وخلفه الصراط الممتد إلى حيث الأبد، وتتراءى القوافل البشرية السائرة على ذلك الصراط من بعيد. وليس لي من نقطة استناد أمام هذه المصائب المدهشة التي تأتيني من الجهات الست، ولا أملك سلاحاً يدفع عني غير جزء ضئيل من الإرادة الجزئية.. فليس لي إذن أمام كل أولئك الأعداء الذين لا حصر لهم، والأشياء المضرة غير المحصورة، سوى السلاح الإنساني الوحيد

نام کتاب : الباحثون عن الله رواية نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 599
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست