وهكذا نجد
أبا حامد الغزالي (ت 505 هـ)، فهو مع ثنائه على الصوفية، وانتسابه إليهم إلا أنه
انتقد بعض سلوكاتهم ودعاواهم، وحذر منها تحذيرا شديدا وصل إلى درجة الدعوة إلى
إقامة الحد الشرعي على كل من يخلط على المؤمنين عقائدهم الواضحة البينة.
فقد قال في
الإحياء: (وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية: أحدهما- الدعاوي
الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى، والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة،
حتى ينتهى قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب، والمشاهدة بالرؤية والمشافهة
بالخطاب، فيقولون: قيل لنا كذا وقلنا كذا، ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج
الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس، ويستشهدون بقوله: أنا الحق. وبما حكى عن
أبي يزيد البسطامي أنه قال: سبحانى سبحانى، وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في
العوام، حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم، وأظهروا مثل هذه الدعاوي، فان هذا
الكلام يستلذه الطبع، إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات
والأحوال، فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم، ولا عن تلقف كلمات مخبطة
مزخرفة، ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا: هذا إنكار مصدره العلم
والجدل، والعلم حجاب، والجدل عمل النفس. وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة
نور الحق. فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من
نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة)[1]
هذه مجرد
نماذج بسيطة أردنا من خلالها أن نبين أن نقد التصوف لا يعني الوقوف