من
الاعتراضات التي اعترض بها علي بعض الفضلاء اعتباره أني متناقض مع نفسي حين أجمع
بين الدفاع عن الصوفية، وذكر محاسنهم، والرد الشديد على السلفية وغيرهم ممن
يكفرونهم، في نفس الوقت الذي أكتب فيه المقالات والكتب في نقدهم.
وسر هذا
الاعتراض هو الوهم الكبير الذي أوقعنا فيه أنفسنا، وبسببه تسلط الشيطان علينا، وهو
تحويلنا الحقائق من عالم المعاني المجردة إلى عالم الأشخاص والجماعات
والانتماءات.. وليس شيئا مجردا مقدسا يمكننا أن نقترب منه أو نبتعد.
وهكذا الأمر
مع التصوف .. فهو في ذاته قيم نبيلة ظهرت في هذه الأمة بفعل تفاعلها الطيب مع
القرآن الكريم، ومع الأولياء والصالحين.. ونتيجة لذلك ظهر تراث عريض، وطرق كثيرة،
منها ما يقترب من الجوهر الصوفي الحقيقي، ومنها ما يبتعد.
والجوهر
الصوفي الذي يمثل حقيقة التصوف، والذي نستعمله معيارا لمدح الصوفية أو نقدهم هو
تلك القيم والأخلاق التي عبر عنها الشيخ محمد بن علي القصاب بقوله: (التصوف أخلاق
كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام)[1]
وعبر عنها
آخر، وهو رويم بن أحمد البغدادي بقوله: (التصوف مبني على ثلاث خصال: التمسك الفقر
والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار)[2]
وعبر عنها معروف
الكرخي مؤسس التصوف الأول، وتلميذ الإمام الصادق، بقوله: (التصوف الأخذ بالحقائق
واليأس مما في أيدي الخلائق)[3]