الأجسام وذوات الأعراض، ثم خلق العرش
واستوى عليه اسم الرحمن. ونصب الكرسي، وتدلت إليه القدمان. فنظر بعين الجلال إلى
تلك الجوهرة، فذابت حياء، وتحللت أجزاؤها فسالت ماء. وكان عرشه على ذلك الماء قبل
وجود الأرض والسماء. وليس في الوجود، إذ ذاك، إلا حقائق المستوي عليه والمستوي
والاستواء. فأرسل النفس، فتموج الماء من زعزعه وأزبد، وصوت بحمد الحمد المحمود
الحق، عند ما ضرب بساحل العرش، فاهتز الساق وقال له: أنا أحمد! فخجل الماء، ورجع
القهقرى يريد ثبجه، وترك زبده بالساحل الذي أنتجه. فهو مخضة ذلك الماء، الحاوي على
أكثر الأشياء. فأنشأ- سبحانه- من ذلك الزبد، الأرض، مستديرة النشء، مدحية الطول
والعرض. ثم أنشا الدخان من نار احتكاك الأرض عند فتقها. ففتق فيه السماوات العلى،
وجعله محل الأنوار ومنازل الملأ الأعلى. وقابل بنجومها المزينة لها النيرات، ما
زين الأرض من أزهار النبات)[1]
وخير تعليق
على هذه الجرأة على عالم الغيب، وبدأ الخلق قوله تعالى: ﴿مَا
أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا
كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ [الكهف:51]
ومن أمثلة
تلك الجرأة الخطيرة على عالم الغيب قوله: (وأما أسرار أهل الإلهام المستدلين فلا
تتجاوز سدرة المنتهى، فان إليها تنتهي أعمال بنى آدم. ونهاية كل أمر، إلى ما منه
بدأ. فان قال لك عارف، ممن لا علم له بهذا الأمر: (إن الكرسي موضع القدمين)، فقل
له: (ذلك عالم الخلق والأمر، والتكليف إنما انقسم من السدرة، فإنه قطع أربع مراتب،
والسدرة هي المرتبة الخامسة (للوجود). فنزل (الحكم الشرعي) من قلم (عقل