عندما تحصل الجرائم الكبيرة، ونذهب إلى المحاكم نرى بأعيننا مصداق ما قاله
الشاعر:
وقـــاتل النــفــس مأخوذ بفــعلــته
وقـــاتل الــروح لا يــدري به أحـــد
لا تستعجلوا في الإنكار علي حتى تعرفوا القصة من آخرها إلى أولها.. لأني
وبحكم الانتكاسة التي نعيشها في واقعنا المرير أرى أننا نحتاج أحيانا لنبدأ من
الآخر، ثم ننطلق إلى الأول.. فلا يشرح الآخر مثل الأول.
في تلك المحكمة بدأ القاضي الجلسة، وطلب إحضار المتهم الذي قتل شيخا من
مشايخ الصوفية الذين زاروا تلك البلدة بمناسبة إحياء مولد من الموالد.
كان المتهم رابط الجأش، مع أن كل الأدلة ضده.. وكأنه متيقن بالبراءة، أو
ينتظر أن يزف إلى الجنان.
نطق المدعي بدعواه، ولم يحتج إلى أي مشقة في إثباتها، فقد حصل القتل في
المسجد، وعلى عين الإمام الذي كان على المنبر، وفي موضع يسمح له برؤية الحادثة
بدقة، ولهذا بمجرد أن انتهى من دعواه طلب القاضي الإمام ليقدم شهادته.
كان الإمام فحلا في الخطابة، فلذلك صعد إلى المحل الذي يستجوب فيه الشهود،
وراح يقدم خطبة في حرمة القتل، وفي فداعة الجريمة التي قام بها المتهم.. ولم يفته
أن يطلب من القاضي أن يقوم بالقصاص العادل منه.. ولم يفته كذلك أن يشكر الشرطة
والداخلية والحكومة ورئيس الجمهورية والقاضي.. وغيرهم على الجهود التي يقومون بها
من أجل حماية المجتمع من أمثال ذلك المجرم.
كان يتحدث.. وكان الحضور يكبرون أحيانا، وأحيانا يصفقون.. وكان القاضي