بعد أن أفرغ الجمع كل أحقادهم وأمراض نفوسهم على الإباضية، قام المندوب،
وقال: لا بأس.. أرى أن كلمتكم اتفقت على أن هذا الرجل لا يصلح لهذا المنصب الخطير،
ولهذا سأذكر لكم غيره.. وأظن أنكم لن تختلفوا عليه، فهو من أهل السنة والجماعة،
وإمامه الذي ينتسب إليه إمام من أئمة السلف..
صاح الجميع مبكرين، وقالوا: الآن أتيتنا بما نريد.. ليتك بدأت به.. حتى لا
نضيع وقتنا مع أولئك المهرطقين.
ذكر لهم المندوب اسمه، وشفعه بقوله: هو فقيه من فقهاء الكبار، ولديه كتب
كثيرة في الشريعة، وفي بيان صلاحيتها لكل زمان ومكان، وهو لم يخض في أي قضية
عقدية.. وهو..
قاطعه بعضهم، وقال: وهو جهمي معطل عابد قبور..
ضحك الجميع، فزاد ذلك من جرأة الرجل، ووقاحته، وقال: ألا تعرف أن ذلك الرجل
حنفي.. الحنفية منذ بدأوا إلى اليوم وهم بين معطل وجهمي أو عابد قبر أو حلولي أو
ملحد..
قال آخر: ألم تسمع ما قال أئمتنا في إمامه الأكبر أبي حنيفة.. لقد حدثني من
أثق به بسنده عن إسحاق بن منصور الكوسج، قال: قلت لأحمد بن حنبل: يؤجر الرجل على
بغض أبي حنيفة وأصحابه؟ قال: إي والله( ).
وحدثني بسنده عن سعيد بن سلم، قال سألت أبا يوسف وهو بجرجان عن أبي حنيفة،
فقال: (وما تصنع به مات جهميا)( )، وقال: قلت لأبي يوسف أكان أبو حنيفة يقول