(فإن قالوا
قد وجد دلائل الاجسام فإنه يوصف بالاتيان قال الله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ
فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [البقرة: 210]،
وقال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 22]، ويوصف بالاستواء على العرش قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: 54]، والاتيان والاستواء على المكان من
صفات الجسم، وكذلك يوصف بأن
له أيديا وأعينا، قال الله تعالى:﴿ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس: 71].. وهذا من أمارات الأجسام)[1]
ثم أجاب على
هذا بقوله: (الصحيح من مذهب السنة ـ يقصد به قول الماتريدية ـ فلا بد من الوصف بما
وصف الله نفسه به، ولكن هذه الصفات ليست من صفات الأجسام، فإن الاتيان يذكر ويراد
منه الظهور. قال الله تعالى:﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: 26].. معناه ـ والله أعلم ـ ظهرت آثار سخطه
في بنيانهم، وظهرت آثار قدرته وقهره فيهم.. وكذا الاستواء ليس من صفات الأجسام فإن
الاستواء هو الاستيلاء على الشيء والقهر عليه. قال الله تعالى:﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [القصص: 14] معناه ـ والله أعلم ـ تقوى حاله بتمام البنية. واستوى
أمر فلان: إذا تناهى، ومنه المستوي على الكرسي وهو القاعد عليه، عبارة عن الاستيلاء. فإنه (لا) يقال:
استوى على الكرسي ما لم يجلس مستقرا عليه، فالمستقر على العرش مستو، فكان معنى
قوله:﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ﴾ [الفرقان: 59] ـ والله أعلم ـ أى استوى عليه بعد خلقه، والله تعالى
مستول على جميع العالم، إلا أنه خص العرش بالذكر لأنه أعظم الأشياء وأشرفها، ثم
ذكر تفسير سائر الصفات الخبرية من اليد والعين)[2]
وهكذا ذهب
الماتريدية إلى نفس ما ذهب إليه المنزهة من نفي الرؤية الحسية لله،