ثم تزايد الجمع إلى أن ضاقت
الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها، ثم حمل بعد أن يصلي عليه على الرؤوس
والأصابع، وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب
والترحم عليه والثناء والدعاء له، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم
وثيابهم، وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها
لشغلهم بالنظر إلى الجنازة، وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر، وتارة
يقف حتى تمر الناس، وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام، كل باب
أشد زحمة من الآخر)[1]
ويذكر أنه بعد دفنه: (شرب
جماع الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به، ودفع في الخيط
الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما، وقيل إن
الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما)[2]
ولم يقتصر التبرك بابن تيمية
وتعظيمه على ذلك اليوم، بل استمر بين أتباعه ومحبيه حتى أنهم كانوا يستشفون بتراب
قبره، فقد جاء في كتاب (الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمة شيخ الاسلام
كافر) في الحادثة التي حصلت مع البطائحي المزي، وراوها لابن حجي قال: كنت شابا،
وكانت لي بنت حصل لها رمد، وكان لنا اعتقاد في ابن تيمية، وكان صاحب والدي، ويأتي
إلينا ويزور والدي، فقلت في نفسي: لآخذن من تراب قبر ابن تيمية فلأكحلها به، فإنه
طال رمدها ولم يفد فيها الكحل، فجئت إلى القبر، فوجدت بغداديا قد جمع من التراب
صررا، فقلت: ما تصنع بهذا، قال: أخذته لوجع الرمد، أكحل به أولادا لي، فقلت: وهل
ينفع ذلك؟ فقال: نعم.. وذكر أنه جربه