الرحمة، وإلا إذا أضفت النزول
إلى السكينة؛ لم يكن، وإذا أضفته إلى الكلام؛ لم يكن أيضاً تفريغ مكان، ولا شغل
مكان، وإنما أراد به: إقباله على أهل الأرض بالرحمة، والاستعطاف بالتوبة،
والإنابة. هذا تفسيره عند علمائنا من أهل الكلام. وأما من تعدى عليه بالتفسير،
والقول النكير؛ فإنهم قالوا: في هذا الحديث دليل على أن الله تعالى في السماء على
العرش من فوق سبع سماوات. قلنا: هذا جهل عظيم؛ إنما قال: (ينزل إلى سماء الدنيا)،
ولم يقل في الحديث: من أين ينزل، ولا كيف ينزل)[1]
وقال: (وأما قوله: (ينزل)
و(يجيء) و(يأتي) وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تجوز على الله في ذاته معانيها؛
فإنها ترجع إلى أفعاله، وههنا نكتة، وهي أن أفعالك أيها العبد؛ إنما هي في ذاتك،
وأفعال الله لا يجوز أن تكون في ذاته، ولا ترجع إليه، وإنما تكون في مخلوقاته؛
فإذا سمعت أن الله يفعل كذا؛ فمعناه في المخلوقات؛ لا في الذات)[2]
وهذا تصريح خاطر ليس له حكم
عند السلفية إلا الكفر.. وإلا فإنهم ملزمون بالعفو عن كل الطوائف التي كفروها بمثل
هذه الأسباب، فلا يستقيم عقلا ولا شرعا أن يؤاخذ قوم بما يعفى به عن آخرين.
ومثل ذلك تعطيله للجهة، والتي
كتب فيها السلفية كتبهم الكثيرة، والممتلئة بتكفير من ينكرها، فقد قال ابن العربي
في نفيها: (والذي يجب أن يعتقد في ذلك: أن الله كان ولا شيء معه؛ ثم خلق المخلوقات
من العرش إلى الفرش؛ فلم يتغير، ولا حدثت له جهة منها، ولا كان له مكان فيها؛ فإنه
لا يحول، ولا يزول؛ قدوس لا يحول، ولا يتغير)[3]