والاستواء هنا ـ كما يذكر الفخر الرازي ـ: (ثم استوى إلى السماء من قولهم
استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلتفت معه إلى عمل آخر، وهو من
الاستواء الذي هو ضد الاعوجاج، ونظيره قولهم استقام إليه وامتد إليه، ومنه قوله
تعالى: فاستقيموا إليه [فصلت: 6] والمعنى ثم دعاه داعي الحكمة إلى خلق السماء بعد
خلق الأرض وما فيها، من غير صرف يصرفه ذلك)[1]
لكن هذا التفسير لا يعجب السلفية، لأن اللغة عندهم هي اللغة الظاهرية فقط
التي يفهمها العامي المشبه والمجسم.. لا اللغة التي يفهمها فصحاء العرب وبلغاؤها.
قال ابن عبد البر ـ دفاعا عن الرؤية التجسيمية السلفية ـ: (وأما ادعائهم
المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له لأنه غير ظاهر في
اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه أحد ولا يعلوه أحد،
وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به
المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام
الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ
ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل أن يخاطب إلا بما
تفهمه العرب في معهود مخاطبتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في
اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. قال أبو
عبيدة في قوله تعالى ﴿اسْتَوَى﴾ قال: وتقول العرب